حدث فى وسط الاحتفالات بليلة راس السنه ،و بعد حلول السنه الجديده بعشرين دقيقه انفجار امام الكنيسة ،تلك العملية الارهابية وقعت 21 شهيد وحوالى 97 مصاب، تعتبر اول عملية ارهابيه بالمنظر هذا تحدث فى تاريخ مصر وتلك العملية عملت صدمة فى مصر و فى العالم كله
بدأ يوم الجمعة الأخير من عام 2010م بكنيسة القديسين مارمرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء بثلاثة قداسات، القداس الأول من 6 إلى 8 ص بالكنيسة بالدور الأرضي، والقداس الثاني من 7 إلى 10:30 ص بالكنيسة بالدور العلوي، وقداس الأطفال من 8 إلى 10:30 ص بالكنيسة بالدور الأرضي، ثم بدأت خدمات مدارس الأحد
وفي نحو الساعة العاشرة إلاَّ ربع بدأ أبونا مقار برفع بخور عشية، أعقبها بعض الترانيم بصوت “المهندس سامر سامي” ثم صلاة نصف الليل بخدماتها الثلاث تتخلّلها الترانيم المعتاد عليها، كما تم إضافة ترنيمة “كل يوم تحت صليبك” في هذا العام، وازدحمت الكنيسة بالدور العلوي بشرفاتها وطرقاتها وكذلك الكنيسة بالدور الأرضي، وتم توزيع ألفي كتاب هدية مع نتيجة صغيرة، بينما وصل العدد الإجمالي أكثر من 2500 شخص، ورغم كل هذا الزحام فالهدوء ساد المكان المُقدَّس، وكأنه يستعدّ في خشوع رهيب لتقديم ضحاياه ذبيحة حُب وسلام من أجل الكنيسة والعالم
ولم يتبقَّ على نهاية العام سوى نحو عشرة دقائق أو أقل قليلاً، واُطفأت الأنوار والصّمت يلفّ المكان وارتفع صوت “أبونا مقار فوزي” قمص الكنيسة أمام العرش الإلهي يتوسَّل ويتشفّع من أجل أولاده بصلاة ارتجالية مُرتّبة، في منتهى العُمق والقوّة شدّت القلوب وجذبتها نحو السماء
” يا ربنا الصالح .. من كل قلوبنا نشكرك لأنك أعطيتنا نسمة حياة إلى هذه الساعة .. ياربي كلنا مديونين بعمرنا ليك .. مين فينا يتخيل إنه عايش إلى هذه اللحظة يصلى ويطلب الرحمة، مع إنه كتير سبقونا وتركوا العالم ويمكن أصغر مننا في السن بكتير ..
نشكرك يارب لأن حنانك أقوى من أي شىء ..
ياربي كم نجّيتنا من تجارب وكم نجّيتنا من محن؟ .. وكم نجّيتنا يا ربي من مشاكل وأمراض؟ .. وكم يا ربي أعطيتنا تعزيات روحك القدوس ..؟
يا ربنا وحبيبنا من كل قلوبنا نشكرك لأن رعايتك وتدبيرك حلو..
أنت حلو .. أنت حلو يا إلهنا ..
ما أعجب حلاوتك إنك تأخذ جسد إنسان وتصير مثلنا ..
أنت الإله القدوس .. أنت الخالق كل شيء ما يُرى وما لا يُرى .. أنت العظيم الذي تسجد لك الملائكة ورؤساء الملائكة، ويخر ويسجد أمامك ألوف ألوف وربوات ربوات .. تنزل من علو سمائك وتعيش بجسدنا في هذه الأرض !..
كنيستنا تعلِّمنا أن نتهلَّل في هذه الأيام بهذا التجسُّد المُبارَك ..
إلهنا حلو مش بعيد عننا .. إلهنا حلو مش مُتسلِّط، عايش في السما وسايبنا، لكنك نزلت وشاركتنا في كل شيء .. نشكرك يا إلهنا لأن بتجسُّدك أيضاً تمَّمت لينا الخلاص .. كنا هنروح فين بخطايانا ! خطيّتنا دي كُنّا نوديها فين يارب، لولا صليبك، ولولا دمك، ولولا خلاصك !
آه يارب .. آه يارب، مساكين الذين ليس لهم المسيح .. مساكين الذين ليس لهم الصليب .. هيروحوا فين بخطاياهم، لأن مفيش حاجة تغفر الخطية غير الدم، بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ..
إحنا جايين انهارده واثقين في دمك، وجايين انهارده يا ربي نغتسل بدمك الذي يقطر من جراحاتك .. إن جراحاتك الكثيرة هى جراحات خطايانا التي حملتها عنّا، وآلامك على الصليب هى آلام خطايانا ..
إلهنا الصالح يا ليتك يارب تغرس فينا روح الشُّكر وروح الرضا ..
أنت علمتنا في كتابك أن نكون شاكرين كل حين على كل شيء .. عندما نتعلم الشكر تزداد العطايا وتكثر البركات
علمنا الرضا، علمنا الاكتفاء، شيل من قلوبنا الطمع، شيل من قلوبنا الجري وراء أمور العالم
إلهنا يسوع المسيح اقبل توبتنا في هذه الساعة، تكون توبة من القلب .. أخطأنا كثيراً، أهنّا اسمك كثيراً، تعدّينا على وصاياك كثيراً، دنّسنا هيكلك المُقدَّس .. كيف نكون هيكل لله وروح الله فينا، ويدخل في قلوبنا نجاسات العالم وشرور العالم !
يا ربنا يسوع المسيح، نتوسل إليك يارب أن تُنقِّي قلوبنا بالتمام .. دَخَل في قلوبنا كتير من الشوائب وكتير من نجاسات العالم .. ونظرات نجسة جدّاً جدّاً، وأفلام نجسة جدّاً جدّاً، طهرنا طهِّرنا .. اغسلنا بدمك يارب، واعطنا جميعاً يارب أن نكون أُمناء أن لا نرجع إلى الخطية مرّة أخرى..
توِّبنا يارب فنتوب، لا تسمح يارب لحياتنا أن تكون حياة فاترة باردة ونشرب الإثم كالماء .. ليه يارب .. فين الحساسية اللِّي جوّه قلوبنا، ازاي يا ربي تيارات العالم وخطايا العالم تدخل قلوبنا وتدخل حياتنا وتدخل بيوتنا ده إحنا أولادك .. ده بيوتنا كنائس صغيرة.
يا ربنا يسوع المسيح .. نتوسّل إليك في هذه الساعة .. طهر عيوننا .. طهر أفكارنا.. طهر نياتنا .. طهر حواسنا .. طهر أجسادنا، تكون أجساد طاهرة نقية.
يا ربنا يسوع المسيح اشفينا أيضاً من الكبرياء والذات، عندما ننظر إلى صليبك وعندما نتأملك مصلوباً على الصليب نخجل من كبريائنا، عندما نراك في مذود الحيوانات نخجل من محبتّنا لذواتنا والأنانية التي ضيَّعتنا وضيَّعت بيوتنا.
لو يا ربي كل فرد يُقدِّم الاتضاع ويُقدِّم التكريم للآخر ويُقدِّم الحب للآخر تبقى بيوتنا يا ربي كلّها سلام .. سامحنا يارب، سامحنا على كبريائنا، سامحنا على تسلّطنا، سامحنا يا ربي لأننا دائما نطلُب ما لأنفسنا ولا نهتم بالآخر ولا نشفِق على الآخر .. سامحنا ياإلهنا الصالح.
إلهنا يسوع المسيح، نتوسّل إليك أيُّها القادر .. أنت تقدر أن تُغيّر وتُغيّر كل نفس، يارب نتوسّل إليك من أجل روح الغضب والنرفزة اللِّي اجتاحت كتير من بيوتنا ومن أولادك.. لمّا يكون إنسان غضبان بيهين اللِّي قصاده جداً وبيكسر نفسه، يارب سامحنا، ادينا اتساع قلب، ادينا طول أناة، ادينا حكمة في التصرُّف.
إلهنا يسوع، هنعدِّد إيه ولا إيه من خطايانا .. خطايانا الخفية والظاهرة، نجّنا يارب من النميمة، نجِّنا يارب من الإدانة، نجِّنا يارب من الكراهية .. اجعل قلوبنا تكون مملوءة بالحُب الحقيقي.
إلهنا الصالح بنرفع قلوبنا الآن من أجل كل إخوتنا البعيدين عنك، لينا أولاد كثيرين بعيدين عنك، يارب رجَّعهم لأحضانك، يارب رُدّ الضالين للحظيرة .. اللِّي انحرفوا في الزنا واللِّي انحرفوا في المُخدِّرات، واللي انحرفوا وراء سهرات وحفلات الدنيا، واللِّيانحرفوا وراء مُقتنيات العالم، يا ربنا يسوع المسيح نتوسّل إليك من أجل شبابك وشاباتك البعيدين، نجِّيهم من الفراغ القاتل اللِّي بيحطّم حياتهم يارب .. عمّر قلوبهم ياربي بكلمتك الحيَّة والفعّالة، وبإنجيلك الحلو وبروحك القدوس الذي يملأ ويُعزي ..
يا ربنا يسوع المسيح نتوسّل إليك أيضاً من أجل المشاكل العائلية .. أد إيه يارب المشاكل العائلية مُرَّة مُرَّة .. يا ربنا يسوع المسيح اطرح سلامك في كل بيت، سلامك الذي يفوق كل عقل، اطرح سلامك في كل بيت، ابعد المشاكل عن البيوت يارب واديهم الحب الحقيقي، وادي كل طرف أن يراضي الآخر يارب، وكل طرف ييجي على نفسه علشان خاطر الآخر يارب، بل عشان خاطرك أنت .. لمّا تكون في مشاكل في البيت هتعيش إزاي جوه البيت يارب، هتعيش ازاي في وسط الشتايم، وسطالاهانات، وسط الزعيق والصخب، وسط الاتهامات الصعبة وتشوف أولادك الصغيرين مُعثَرين من الآباء والأمهات .. يا ربي يسوع المسيح ادخل بيوتنا فيدخل السلام ويدخل الفرح وتدخل البهجة وتدخل البركات.
إلهنا يسوع المسيح كتير من أولادك محتاجين مادياً .. يارب افرج عنهم، يارب أعطِهم سؤل قلبهم، يارب أعطِهم كل احتياجاتهم، ولا ترد أحـد حزين ومحتاج أبداً ياربي يسوع، لأنك تفتح يديك فتُشبِـع كل حيّ من رضاك، بارك الكل .. فرّح الكل .. واجعل يارب في أيامنا هذه تكون مملوءة بالفرح، ومملوءة بالشكر ومملوءة بالرضا، وتكون نفوسنا فعلاً فَرِحَة ومُتهلِّلة.
إلهنا الصالح يسوع .. كل فرد واقف أمامك كبير أو صغير رافع طلبة استجب له يارب لأننا أمام هيكلك .. استجب يارب لأننا في كنيستك، فنحن أمام عرشك وأنت تنظر إلينا بعين مراحمك وبعين حُبّك وبعين حنانك .. نشكرك يارب .. بارك ليلتنا وبارِك أن تكون سنة جديدة مملوءة بالخير الروحي والمادي، وتكون سنة مملوءة بالنجاح ومملوءة بالفرح ومملوءة بالسلام.
إلهنا يسوع المسيح .. لا تنسى أيضاً أبونا البابا وكل الأساقفة والكهنة والكنيسة يارب. أنت تَعلَم يارب أن الكنيسة مُستهدفة في هذه الأيام، ولكن نحن واثقين من رعايتك، نحن لا نخاف أبداً لأن راعينا سهران وأنت سهران على كنيستك.
يا ربنا يسوع المسيح ارحم الكنيسة في هذه الأيام ونجِّنا من أعدائنا ونجِّنا من أعداء الكنيسة يارب.
إلهنا يسوع المسيح: كل خدمتنا، كل خادم وكل خادمة، وكل مدارس الأحدابتدائي وإعدادي وثانوي بنين وبنات، واجتماعات الشبان والشابات، والخدام والخادمات، والعشيات والقداسات، وكل الأنشطة في الكنيسة تكون لمجد اسمك يارب.
إلهنا نسلِّمك حياتنا، نسلِّمك يارب صلواتنا وأنت تستجيب، ليس لأجل برٍّ فينا،ولكن لأجل محبّتك، ولأجل صليبك، ولأجل شفاعة أُمّنا الطاهرة العدرا مريم، ورئيس الملائكة ميخائيل ولأجل صلوات أبوينا القديسين العظيمين مارمرقس والبابا بطرس خاتم الشهداء وكل مصاف القديسين استجبنا حينما ندعوك بكل الشكر قائلين: أبانا الذي في السموات ….”.
وبعد انتهاء صلاة “أبونا مقار“، وكما تعوّدنا دائماً أن نضع السنة الجديدة في يد الله، بدأنا نُصلِّي اللحن الختامي، وكان “الدكتور مينا چان” هو الذي يضبط الإيقاع بالدُّف الذي يتمايل بين يديه، وما أجمل كلمات هذا اللحن:
” أيها الرَّب إله القوات ارجع واطلع من السماء.
وانظر وتعهد هذه الكرمة. أصلحها وثبِّتها.
هذه التي غرستها يمينك. هللويا هللويا هللويا.
بارك إكليل هذه السنة بصلاحك.
فلتكُن رحمتك وسلامك حصناً لشعبك.
قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت.
السماء والأرض مملوءتان من مجدك…
وهنا حدث الانفجار، ولم يتبقَ من اللّحن سوى كلمة واحدة وهى ” الأقدس“، وكانت العبارة الأخيرة التي قيلت قبل الانفجار ” السماء والأرض مملوءتان من مجدك“.
وفي هذه اللحظة فتحت السماء أبوابها لتستقبل أرواح الشهداء، مُكلَّلة بأكاليل المجد والفخار، فقد أضفيت يا إلهي عليها من مجدك وبهائك، فاكتست بالمجد والبهاء – بالرغم من تَمزُّق ملابس هؤلاء الشهداء من أثر الانفجار – وأي مجد يُضاهي بهاء ومجد الشهداء !!
دوى الانفجار في المنطقة فسمع صوته من على بُعد نحو كيلو متر من جميع الاتجاهات، ولكن معظم من سمعه ظن أنه رعد
محدِّش يخاف: كان الشمامسة يقفون على يمين باب الهيكل بالخورس البحري وكنتُ واقفاً بينهم، بينما وقف الآباء الكهنة وبقية الشمامسة على يسار باب الهيكل بالخورس القبلي، وعندما حدث الانفجار اهتز ستر الهيكل بشدة، وسُمِعَ صوت زجاج يتساقط داخل الهيكل، أمَّا صوت ضجيج السيِّدات اللاتي كُنّ فـي الشرفات الخلفية فقد كان مُرتفعاً، وظننت أن أحد المُتطرّفين فجّر قنبلة في الشارع الجانبي بين الكنيسة ومستشفى مارمرقس، وحدث هرج ومرج فأمسكت بالمايك، ورفعت صوتــي مُكــرِّراً ندائي “ماحصلش حاجة .. مَحَدِّش يخاف.. ربّنا مش حيسيب كنيسته” وحاول أبونا مقار يهدئ الشعب قائلاً: “ماتخافوش .. مافيش حاجة“. أمّا أبونا ميصائيل فأخذ يرشم الصليب على الشعب مراراً وتكراراً .. تُرى هل كان يُعاين أرواح الشهداء وهى تصعد في مجد وبهاء إلى باريها !!
وسريعاً ما ختم أبونا مقار الصلاة ” آمين الليلويا ذوكصابتري كي إيه كي آجيو ابنفماتي .. ” وأخذنا نناشد الشعب الانصراف في هدوء، ثم أخذنا نُردِّد ” كيرياليسون كيرياليسون كيرياليسون” ثم ترنيمة: ” ربنا موجود .. في كل مكان تلاقيه ” ولم يكن أحد منا يتصوَّر حجم الكارثة، أمّا“چورچ القس مينا” فقد أسرع من باب الكنيسة الجانبي يستطلع الأمر ..
الموقف في الهيكل: في داخل الهيكل من الجهة البحرية العلوية تحطّمت أيقونتي رئيسي الملائكة رافائيل وسوريال الزجاجيتيْن، وكذلك جزء من أيقونة سلّم يعقوب التي كانت بين الأيقونتيْن السابقتيْن وجميعها من صنع راهبات دير القديسة دميانه بالبراري، ويقول “القس متاؤس صبري” : “عندما حدث الانفجار كنتُ في الهيكل، سمعت صوت الانفجار، وشفت الزجاج يتساقط على زجاج المذبح الصغير فيحطّمه، وتأكدت أن هناك قنبلة انفجرت “وقد أُصيب “بيشوى القس باخوم” بالصف الثالث الثانوي في يده، وكذلك الخادم “يوساب يوسف تادرس” بكالوريوس خدمة اجتماعية الذي يقول ”كنت أصلي في الهيكل، وعندما حدث الانفجار حدث أمر عجيب إذ سقطت عليَّ قطعة زجاج كبيرة بسطحها على رأسي ولو سقطت بسيفها لا أدري ماذا كان سيحدث !! .. لقد أطاح الانفجار بي فسقطت نحو اليسار، وبعض شظايا الزجاج الصغيرة رشقت برأسي ويدي، وبعد أن نهضت أحسست أنني أفقد توازني، وكأن أحد ضربني على رأسي، وعندما خرجت من الهيكل وضعوني على دكة الشمامسة، وبعد فترة ذهبت إلى مستشفى مارمرقس فصدمت بما رأيت، إحدى الممرضات أعطتني غرزة في أصبعي وتركتني، وأسرعت لتسعف آخر، ثم جاء الدكتور مينا سعد الصيدلي وأكمل إسعافي “.
ويقول “الخادم الدكتور مينا چان لبيب“: ” عندما حدث الانفجار وكنت أمسك بالدُّف اندفعت للهيكل سريعاً لأني ظننت أن الانفجار حدث في الهيكل، فوجدت الأرض مفروشة من الزجاج المُحطّم، وكذلك زجاج شباك الهيكل البحري قد تحطَّم، فأسرعت وقلت لأبونا مقار في حاجة مضروبة في الخارج، وعندئذ سمعت البعض يصرخ “في واحدة تعبانة تحت”، فأسرعت من الباب الجانبي وأمام مكتب الخدمة أحضروا لي سيّدة في نحو الخمسين من عمرها ورأسها تنزف، فطمأنتها وأخذتها من يدها وخرجنا إلى المستشفى، ووصلنا إلى الاستبقال، وكنت أظن أن هذا كل ما حدث“.
أمام باب الكنيسة بالدور العلوي: أمَّا النساء اللاتي كُن يزدحمن في الشّرفات وكُنّ قد بدأن في النزول بعد أن انتهى أبونا مقار من الصلات وأُضيئت الأنوار، وعندما حدث الانفجار كان بعضهن يتحرّك ببطء عبر السلّم الضيق، فتحطّم زجاج الطاقات المُطلّة على الشارع وأصاب بعضهن، أمّا الذين خرجوا من باب الكنيسة بالدور العلوي وهُم يعبرون نحو الحوش العلوي ليهبطوا السلالم للدور الأرضي، فقد تساقط عليهم كمّ ضخم من زجاج الخدمة التعليمية ـ وهو زجاج فاميه 6 مم ـ فأصاب عدد ليس بالقليل وسال دم هذا وهذه، فهذا رجل رأسه تنزف بشدة، وتلك سيّدة يدها تنزف بشدة فعادت للخلف، وأخذت تصرخ أمام الأيقونات وتخبط بيدها على رفات الشهداء ودمها يسيل من يدها، وفي خضام هذا الزحام لا يمكن لأحد أن يسمع أحداً فالبعض يصرخ ابني .. ابنتي، والآخر يصرخ بابا.. ماما.
وتقول “تاسوني نيڤين نصيف“: ” ليلة رأس السنة كنت مُتعبة جداً، حتى إنني فكّرت أن لا أحضر السهرة، ولكنني آثرت الحضور، وجلست في الكرسي الأخير بالشُّرفة العلوية، وعندما انتهى “أبونا مقار” من صلاته وبدأ لحن “أيها الرب” تحرّكت من مكاني، حتى وصلت إلى باب الكنيسة بالدور العلوي، وانتظرت حتى يُعطي أبونا البركة ثم أنصرف، وفجأة حدث الانفجار، وكان الصوت أفظع ما يمكن، وصرت أصرخ “يا أم النور .. يا أم النور” وتحطم زجاج الخدمة التعليمية وتساقط على الناس، وأصبت بجرح نافذ في يدي اليمنى، وتراجع كل مَن هو خارج الباب وتساقط عليه الزجاج للخلف نحو باب الكنيسة، فتساقط العشرات، وكنت واحدة من الذين سقطوا على الأرض، فوجدت يداً تمسكني وإذ رجل واقف في منتهى السلام، رجل طويل وعريض وله شنب، أمسك بيدي اليسرى وأنهضني، وقال بصوت هادئ ورزين: “متخفيش أنت كويّسة .. مفكيش أي حاجة .. متخفيش” وحرّك يده وكأن يريد أن يقول: هذه تفاهات لا تقلقي .. وتعجّبت وتساءلت: مَن هو هذا الرجل ؟! وكيف سمعت صوته الهادئ في هذا الجو الرهيب من الضجيج والصراخ ؟! وهل هو مارجرجس الذي ولدتُ في عيده 16 نوفمبر، ولا سيما أنني كنت مُكلّفة بمهمة سأقوم بها في الغد من قِبل دير مارجرجس بسيدي كرير ؟! ثم دخلت الكنيسة وانصرفت من الباب الجانبي ونظرت على الحوش وأنا أقف بجوار مكتب الخدمة، فوجدت “مدام ماري موريس رزق” زوجة خالي “المهندس نبيه” وبجوارها واحدة نايمة على الأرض ملابسها مُمزّقة ورجلها تنزف، فنزلت واكتشفت أن هذه الشابة المصابة هى “أميرة” بنت خالي، وحملوها إلى المستشفى، وصعدت إلى شقتنا (شقة المُكرسات) بمبنى الخدمات، وفي نحو الواحدة والنصف نظرت من الشُّرفة المُطلّة على الشارع القبلي للكنيسة، فوجدت مجموعة من الشباب المسلم يقذف باب الكنيسة القبلي بالطوب فيُحطِّمون الزجاج، وأحضروا عمود خشب كبير يريدون كسر الباب، ولكنهم لم يستطيعوا، والأمن فرّقهم، ونحو الثالثة صباحاً كان هناك مجموعة كبيرة من الشباب نحو ثلاثين شخصاً فـي الحوش العلوي لا أدري إذا كانوا مسيحيين أم لا، وحاولوا أرجحة الباب الحديد المجاور لمكتب الخدمة، فكسروا طبلة الباب وهم يحاولون فتحه للدخول للكنيسة، وخشينا أن يصعد أحد إلينا، فعلّقنا الأسانسير، ووضعنا الديب فريزر خلف الباب “.
وبينما كان “أيمن بشاي” زوج أخت الدكتور مينا چان يَعبُر من باب الكنيسة بالدور العلوي إلى الحوش العلوي وجد دماء على وجهه فتحسّسها بيده وإذ هى أشلاء آدمية !! .. كيف تطايرت هذه الأشلاء من أمام الكنيسة وعَبرت واجهة الكنيسة التي يبلغ ارتفاعها نحو 20 متراً ؟! وأي قوّة تفجير هذه ؟!!
منطقة الانفجار: ففي تمام الساعة الثانية عشرة وواحد وعشرون دقيقة من مساء الجمعة، ومع الدقائق الأولى من العام الجديد 2011م حدث هذا الانفجار المروِّع، ولا أحد يعرف كيف حدث أو ما هو مصدره ؟ ولكن ما خطف الأنظار السيارة التي تقف صف ثانٍ بجوار رصيف الجامع، وقد ارتفعت منها ألسنة اللهب بنحو ثلاثة أو أربعة أمتار..
ومن شدّة الانفجار سقط جميع الواقفين من رجال وسيّدات وأطفال على رصيف الكنيسة يمين ويسار الباب، وأيضاً الذين كانوا في طريقهم من الحوش إلى باب الكنيسة، الجميع سقطوا بين شهيد ومُصاب وتطايرت الأشلاء ..
ومن شدة الانفجار تمزّقت الملابس فلم تعد تغطّي الأجساد، ففي منتصف الشارع أمام باب مستشفى شرق المدينة، سقط رجلاً مُنطرحاً على وجهه، ويكاد يكون الجزء العلوي عارياً بلا ملابس، ولم يتبقَ من البنطلون إلاَّ ما يستر عريته.
أمَّا على رصيف الكنيسة فالمنظر فوق الاحتمال، فتلك أيادي قد بُترت، وتلك أرجل قد قُطعت، وتلك وجوه قد انتفخت وتشوّهت فتغيّرت معالمها تماماً، وهذا شاب وقد أطاح الانفجار بجزء من جمجمته ..
فالموضوع ليس موضوع قتل فقط، إنّما هو قتل مصحوب بالتمثيل بالأجساد، وما أشبه الليلة بالبارحة، فما جرى للشهيدة دميانه والأربعين عذراء عندما تهرأت أجسادهن من العصر بالهنبازين تكرّر فـي لحظة من التاريخ أمام أعتاب كنيسة القديسين، ولكل عصر أدواته من التعذيب والقتل، وإن كان الشهداء قديماً قد جازوا آلاماً فوق الطاقة، ولكن نعمة الله آزرتهم، فالذين أُصيبوا إصابات بالغة وعددهم أكثر من مائة مصاب، كان العامل المُشترك بينهم أن نعمة الله لم تتخلّى عنهم، فالقنبلة التي تم تفجيرها كانت محشوّة بكم ضخم من البلي والصواميل الحديد، وتلك الصواميل قد اخترقتِ الأجساد وفتَّت العظام، والأمر المُدهش أن الله أعطى سلاماً لجميع المُصابين، ومنحهم قوّة رهيبة على تحمُّل الألم، فلم يَصح أحدهم ولم يَصرُخ رَجُل ولا سيّدة ولا حتى طفل أو طفلة ..
أمَّا أرواح الشهداء فقد تكلَّلت بالمجد والبهاء في لحظة، إذ انفتحت السماء على الأرض أو قل صارتِالأرض سماء .. كم من صفوف الملائكة والشهداء حضرت لتحمل تلك الأرواح وتُكلِّلها بالمجد والبهاء.
واصطبغت الأرض بالدماء كما دشَّنت الدماء مع الأشلاء واجهة الكنيسة، واستقر بعضها على حافة هذه الواجهة، وتناثرت أيضاً أشلاء كُشك الأمن الأنيق الذي اشترته الكنيسة منذ أسبوع بمبلغ 4500جنيها، وأيضاً تحطّم زجاج الأبواب الضخمة وتناثر وغطى الأرض، وأيضاً تناثرت الدماء والأشلاء بكثافة على جدار الجامع بل ونفذت من النوافذ المفتوحة إلى أعمدة الجامع بالداخل، وشكَّلت الأشلاء الصغيرة شبه المُحترقة مع الدماء لوناً داكناً أعلى نوافذ المسجد حتى يُخيل لِمَنْ ينظر إليها من بُعد أنها آثار حريق، وهى بكل تأكيد ليست هكذا.
ووقفت الشجرات الثلاث الأقرب إلى باب الكنيسة، والتي تحوَّلت في لحظة إلى أشجار يابسة، تحكي قصة الكارثة، وتبكي أوراقها وأغصانها التي تناثرت وافترشت الأرض لكيما تحتضن أجساد وأشلاء الشهداء، بينما اصطبغت هذه الأشجار بالدماء الطاهرة، وأيضاً حَمَلت ثماراً عِوضاً عن أوراقها، وما هذه الثمار إلاَّ أشلاء مُقدَّسة عَلَقت بها، فاحتفظت بها لليوم الثاني والثالث عندما بدأ بعض شباب الكنيسةالتقاطها، فتلك أعين، وتلك أذان، وتلك أصابع، وتلك …
وبعد نحو ثلاثة دقائق من الانفجار حضر رجال الإطفاء بقيادة ضابطين مسيحيين يطفئون السيارة المُشتعلة، واندفع الشباب يَحملون المصابين إلى مستشفى مارمرقس، ويجمعون الأجساد والأشلاء والأعضاء ويغطّونها بالجرائد الدينيّة من نداء الوطن والكتيبة الطيبة والمجتمع الكنسي، وهذا يصيح وتلك تصرخ، والكل يَبكي قتلاه، وقد تخضّبت بالدماء تلك السلالم الصاعدة من شارع الشهـداء ( خليـل حمادة ) إلى مستشفى مارمرقس. أمَّا أرضية المستشفى فتحوَّلت في لحظات إلى أرضية المجزر